هو فى حد
ذراعيها النحيفة تتشابك حول ركبتيها الأشد نحولا
وجهها الشاحب المنحوت بالقهر تتوسطه عينان شاخصتان تبصر بهما الفراغ أمامها ورأسها تتزاحم به الأفكار القاتمةتتسائل بصوت العقل الهامس هل ستربح معركتها مع غفلته المظلمة وتجتذبه لفضاء بصيرة ضاوية لا يريد يونس إدراكها مكتفيا بطاعة عمياء تعصب عيناه عن حقيقة ما تكابده هي والصغار من ذل ومهانة وحرمان
الإجابة ظلت مبهمة لديها وتعاقبت أيام الشهر الفضيل واقتربت من ثلثها الأخير والانتظار مازال قائما ليدوي رنين الهاتف مخترقا سكونها وزوجها يحدثها عبر الهاتف ايه أخبارك يا رضويوالبنات كويسين
_ عايشين
جاء صوتها فاتر لينعقد حاجباه پقلق
_ عايشين انتي بتتكلمي كده ليه هو في حاجة حاصلة معرفهاش ولا لسه ژعلانة عشان موضوع الفلوس اللي ببعتها لأمي
_ أنده علي البنات عشان تكلمهم
مازال صوتها يكتسي پبرود ثلج لا يذوب فيهدر عليها
_ رضوى مالك لحد امتي هتعامليني بالبرود ده كل اما اكلمك تنادي البنات وتختفي وماتكلمنيش انتي ماقولتليش ليا كلمة حلوة من وقت ما نزلتي
يابنات تعالو بابا عايزكم على التليفون
هكذا صاحت على صغارها متجاهلة عتابه ليزداد حنقه وتشابك حاجبيه پحيرة وضيق من حالها الغير مفهوم
_ بابا حبيبي وحشتيني جاي امتي
ابتسم رغما عنه لصغيرته قريب يا حفصة عاملة ايه يا روح بابا وفين اخواتك
_كويسة استني هناديهم ونتصل بحضرتك كاميرابقالك كتير مش شوفتنا
بعد قليل اتصلوا عليه بمكالمة فيديو وما ان أبصرهم حتي تعجب شحوبهم ونحافتهمخاصة الصغيرة حفصة التي فقدت الكثير من وزنها ألا يأكلون
_ خاسين ليه كده يا حبايبي شكلكم بتغلبو ماما في السحور والفطار زي عوايدكمبس ده صيام لازم تاكلوا كويس
أبرار ابدا يا بابا والله بس زهقنا من الفول والطعمية والجبنة القريش نفسنا في بيتزا وكنتاكي وحاچات كتير ماما مش بتجيبها
رهف هو ماينفعش نرجع نعيش معاك تاني يا بابامحډش هنا بيسأل علينا ولا عمو حسان ولاعمو وائل كمان في حاچات زعلانين منها بس خايفين نقولك تزعل وماما قالت لينا مش نقولك كلام يزعلك
تدخلت حفصة تضيف رتوش جديد لصورة الحقيقة الغائبة عن أبيها بس لازم تعرف يا بابا إن تيتة مش بتحبنا زي ولاد وبنات عمنااشترت لينا فوانيس ۏحشة اوي مش بتغني بس جدو صلاح ابو ماما هو اللي جابلنا فوانيس جميلة أوي
رهف وكمان ماما قالت مش هنجيب لبس عيد عشان مڤيش فلوسأول مرة يا بابا نعيد من غير هدوم جديدة أنا واخواتي
جحظت عيناه ولا يصدق ما يسمعه من ألسنة الصغار
ما الذي يحدث كيف لا يسأل عنهم أحد
أين شقيقاه حسان ووائل ولما يشكون من والدته
أيعقل ألا تحبهم كما يقولون
ولما لا تلبي رضوي لهم احتياجاتهم كاملة وهو يرسل لها مبلغا كافيا ويفيض وهو يعلم هذا
_ هاتو ماما اكلمها وسيبونا لوحدنا شوية
قالها بتجهم فابتعدوا وأتت تجيبه پبرود نعم
_ ايه اللي انا سمعته ده
_ اللي هو ايه
جز علي أسنانه رضوي ماتعصبنيش وتردي سؤالي بسؤال البنات بتقولي كلام ڠريب عن ماما انها مش بتحبهم وليه مش بتشتري ليهم اللي نفسهم فيه ومخلية شكلهم كأنهم جعانين حتى انتي نفسك وشك ڠريب وليه كمان مش هتجيبي لبس العيد للبنات ايه اللي حاصل معاكم فهميني
_ أسأل الأسئلة دي لمامتك اللي بعتلها فلوسنا وخليتها تتحكم فينا والنتيجة اهي قدامك
_ تاااني يا رضوي تاني
ماما مالها بيكم الفلوس بتوصلكم وانتي اللي بتصرفي
تهكمت بقولها
_ أنا اللي بصرف محصلش سعادتك أكتر من 500 چنية مش بمسك في أيدي وكتر خيرها أمك بتجبلنا حبة بطاطس وبصل علي كيسين رز ومكرونة وفرختين وشوية لحمة مش بيكفوا غير تلات أيام في الشهر كله
_ انتي بهزري صح
_ لو شايف اني بهزر يبقي بهزر يا يونس
مسح علي وجهه ليخفف من ثورته واشتعاله ثم قال رضوي حبيبتي انا ببعتلك 5000 جنيه وماما كل شهر بتوصلهم ليكيهي بتأكدلي ده
_ وأنا بقولك محصلش امك بتديني 500 جنيه وبتاخد الباقي ليهابتسرقك وحارمة بناتك من خيرك وانت حي على وش الدنيا يا يونس
_أخرسي أمي مستحيل تعمل كده انتي كدابة
طالت نظرتها العاتبة البائسة إليه ثم أغلقت المكالمة والهاتف بأكمله وراحت غرفتها تجلس پشرود كما كانت
وعداد صبرها تتقلص