ما السورة التي نزلت جملة
ثم تبدأ موجة رابعة تتحدث عن معرفة أهل الكتاب لهذا الكتاب الجديد الذي يكذب به المشركون وتوقف المشركين أمام مشهدهم يوم الحشر وهم يسألون عن شركائهم فينكرون الشرك ويذهب عنهم
الافتراء: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27].
وتنتهي الموجة بتقرير خسارة المكذبين بلقاء الله، وتفاهة الحياة الدنيا إلى جانب الدار الآخرة المدخرة للذين يتقون. ثم تبدأ موجة خامسة يلتفت فيها السياق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسليه ويسري عنه ما يحزنه من تكذيبهم له: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33].
وهكذا يمضي سياق السورة موجة في إثر موجة، يأخذ بالسامع ليوقفه أمام المشهد، وأمام المواقف يتدبرها بحركة تكاد الألفاظ تجسمها.
ولقد شاءت حكمة الله أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى الدعوة لها منذ اليوم الأول للرسالة، وأن يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى خطواته في الدعوة، بدعوة الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن يمضي في دعوته يعرف الناس بربهم الحق، ويعبدهم له دون سواه.
ولم تكن هذه هي أيسر السبل إلى قلوب العرب الذين كانوا يعرفون من لغتهم أن معنى “لا إله إلا الله” هو نزع السلطان الذي يزاوله الكهان والحكام، ورده كله إلى الله، ومن ثم استقبلوا هذه الدعوة ذلك الاستقبال العنيف، وحاربوها تلك الحرب التي يعرفها الخاص والعام.
لا قومية ولا اجتماعية ولا إصلاحية!
وكان في استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب واستخلاص أرضها المغتصبة من الرومان والفرس، ولو دعا هذه الدعوة لاستجابت له العرب على الأرجح، ولكن الله سبحانه لم يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه، إنما وجهه إلى أن يصدع بلا إله إلا الله، وأن يحتمل هو والقلة المختارة كل هذا العناء؛ لأن الأرض لله، ويجب أن تخلص لله، والناس عبيده وحده، ولأن الجnسية التي يريدها الإسلام للناس هي جnسية العقيدة التي يتساوى فيها سائر الأجناس والألوان تحت راية الله.