ما السورة التي نزلت جملة
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين، والمجتمع العربي كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعا للثروة والعدالة، قلة قليلة تملك المال والتجارة، وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشظف والجوع، كان في استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يرفعها راية اجتماعية، دعوة تستهدف تعديل الأوضاع ورد أموال الأغنياء على الفقراء!
ولو دعا هذه الدعوة لانقسم المجتمع العربي صفين: الكثرة الغالبة مع الدعوة الجديدة، في وجه طغيان المال والرئاسة، بدلا من أن يقف المجتمع كله صفا في وجه “لا إله إلا الله”، لكن الله سبحانه لم يوجهه
هذا التوجيه؛ لأنه يعلم أن العدالة الاجتماعية لابد أن تنبثق في المجتمع من تصور اعتقادي شامل يرد الأمر كله لله، ويستقر في قلوب الجميع أنه ينفذ نظاما يرجو عليه خيري الدنيا والآخرة.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستوى الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل، كان التظالم فاشيا، والخمر والميسر من مفاخره، والدعارة من معالمه.. وكان في استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يعلنها دعوة إصلاحية، تتناول تقويم الأخلاق، وتطهير المجتمع، ولكن الله سبحانه لم يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا الطريق؛ لأنه كان يعلم أن هذا ليس الطريق؛ فالأخلاق لا تقوم إلا على أساس من عقيدة، تضع الموازين، وتقرر القيم، وبدونها تظل القيم كلها متأرجحة، وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك، بلا ضابط، وبلا سلطان، وبلا جزاء.
فلما تقررت العقيدة بعد الجهد الشاق وعرف الناس ربهم وعبدوه وحده تطهرت الأرض من الرومان والفرس، لا ليتقرر فيها سلطان العرب، ولكن ليتقرر فيها سلطان الله، وتطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي، وتطهرت النفوس والأخلاق؛ لأن الرقابة قامت هنالك في الضمائر خوفا من الله وحياء منه وطمعا في رضاه، وارتفعت البشرية في نظامها إلى قمة سامقة لم ترتفع إليها من قبل، ولقد تم هذا كله؛ لأن الذين أقاموا هذا الدين كانوا قد وعدوا وعدا واحدا لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا؛ ألا وهو الجنة.